منتديات جندوبة للتجديد التربوي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كلّ ما يخصّ التعليم ومجالات تطوير مردوديته


    أثر تطوير أنشطة المتعلم الماوراعرفانية في تجويد فعلي التعليم و التعلم

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 110
    تاريخ التسجيل : 24/01/2010

    أثر تطوير أنشطة المتعلم الماوراعرفانية في تجويد فعلي التعليم و التعلم Empty أثر تطوير أنشطة المتعلم الماوراعرفانية في تجويد فعلي التعليم و التعلم

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء ديسمبر 29, 2010 7:07 am



    بحث حول

    أثر تطوير أنشطة المتعلم الماوراعرفانية في تجويد فعلي التعليم و التعلم: الرياضيات نموذجا (1)

    إعداد د. رشـــــــــاد شبيـــــل (2004 )



    الفصل الأوّل

    الإشكاليّة

    المقدّمة

    يشهد هذا القرن تغيّرات سريعة في الميدان العلميّ فرضت على المجتمعّات أن تطوّر نظمها التّربويّة حتّى تكون المدرسة مؤهّلة إلى إكساب التّلاميذ قدرات و كفايات تمكّنهم من مواكبة النّسق المتسارع للتّفجر المعرفي، وهو مطلب جعل الباحثين التّربويين يهتمّون اهتماما متزايدا بما يضمن نجاعة الفعل التّربوي من خلال البحث عن السّبل المؤدّية إلى تجويد عمليّتي التّعليم و التّعلّم.

    و تعتبر قضيّة تجويد الفعل التّربوي اليوم، في تونس، من أوكد مستلزمات الإصلاح التّربوي الذّي يهدف إلى التّخفيض من نسب الفشل المدرسي بالسّيطرة على ظاهرتي الرّسوب و الانقطاع.

    و تندرج المقاربة بالكفايات التّي انطلقت تجربتها بالمدارس الابتدائيّة سنة 1994 و الّتي تشهد اليوم تعميما تدريجيّا، ضمن خطّة متكاملة ( مشروع المؤسّسة التّربويّة، المدارس ذات الاولويّة البيداغوجيّة، التعليم ما قبل المدرسي، إدماج تكنولوجيا الإعلام و الاتّصال في برامج التّعليم) تهدف الى الرّفع من مردوديّة النّظام التّربوي من خلال اعتبار المتعلّم مركز الوضعيّة التعليميّة التّعلّميّة، و توفير ظروف ملائمة لحدوث تعلّم جيّد.

    و لئن بيّنت نتائج التّقييم الأوّلي لتجربة التّعليم وفق المقاربة بالكفايات
    (1999 Altet و Develay) تطوّرا لدى المعلّمين المطبّقين للمقاربة في مستوى تسيير الفصل، وفي مواقفهم إزاء تلاميذهم، و كذلك فيما يتعلّق بوعيهم بأهميّة التّقييم والعلاج في تمشّيات التعليم والتعلّم، فإنّها لم تسجّل تغيّرا ملحوظا في مستوى الممارسة البيداغوجيّة من شأنه أن يجوّد فعلا عمليات التعلّم.
    و كشفت نتائج الاستبيان الموجّه إلى مائة و ثمانين معلّما يعملون بدوائر سوسة المدينة و الرياض و بوعرقوب عن:
    - غياب الوعي لدى المستجوبين بأنشطة المتعلّم الماوراعرفانيّة و بأهمّيتها في عمليّات التعلّم.
    - نقص في مستوى قدرتهم على تشخيص صعوبات المتعلّم في مادّة الرّياضيات و الكشف عن مصادر الخطإ في مستوى تمشّيات المتعلّم و استراتيجياته العرفانيّة.
    - تمركز المعلّمين في معالجتهم لصعوبات التّلاميذ في تعلّم مادّة الرياضيات حول تنويع المسائل الرياضيّة من خلال تدريب تلاميذهم على حلّها دون إشراكهم في بناء استراتيجيات التّدخّل و دون تمكينهم من التّصريح بتمشّياتهم العرفانيّة؛ ممّا يساعدهم على الوعي بصعوباتهم الحقيقيّة من خلال تدرّبهم على تقييم نشاطاتهم و مراقبتها ذاتيّا.
    - غياب الوعي لدى المعلّمين بصعوباتهم في تعليم الرّياضيات، و عدم قدرتهم على إيجاد الصّلة بين صعوباتهم في تعليم الرّياضيات و صعوبات تلاميذهم في تعلّم هذه المادّة، فهم بذلك غير قادرين على تجاوز صعوباتهم انطلاقا من صعوبات متعلّميهم.
    - وجود ارتباط بين وعي المعلّم بصعوباته في تعليم الرّياضيات و علاقتة بالمعرفة الرّياضيّة.
    أمّا نتائج الاسبيان الموجّه إلى ثلاثمائة و ستّين من تلاميذ السّنة السّادسة من التّعليم الأساسي، موزّعين على ثماني مدراس، فقد كشفت عن ضعف لدى المتعلّمين في مستوى نشاطاتهم الماوراعرفانيّة في مادّة الرّياضيات و في مستوى علاقتهم بالمعرفة الرّياضيّة:
    جدول عدد1: نتائج الاستبيان الاستطلاعي الموجّه إلى التّلاميذ

    الفئة التّحليل
    الماوراعرفاني المراقبة
    الماوراعرفانية التّصرّف
    الماوراعرفاني العلاقة بالمعرفة
    الرّياضيّة
    نسبة التّحقّق 26.4% 23.6% 5.6% 11.1%

    ممّا أكّد وجهة اهتمام البحث نحو معالجة صعوبات المتعلّمين في مادّة الرّياضيات انطلاقا من تطوير كفاياتهم الماوراعرفانيّة .

    كما أفضت الزّيارات الميدانيّة و المقابلات التي أجراها فريق العمل بدائرة التّربّص بالمعهد الأعلى لتكوين المعلّمين بسوسة، مع مجموعة من المعلّمين إلى الملاحظات التّالية:
    _ حذق المعلّمين لضبط أهداف الحصص و لإعداد وضعيّات تعلّم اندماجيّة و اختبارات تقييميّة ، جعلهم يعتقدون أنّ ذلك كاف لتحقيق تعلّم فعّال يطوّر كفايات التّعلّم لدى التّلاميذ، و هو موقف ينمّ عن تواصل اهتمام المعلّمين بنتائج تعليمهم، حيث مازالوا متمركزين حول معارفهم و صناعتهم في ضوء تكوينهم البيداغوجي و في ضوء تصوّرهم لمؤشّرات النّجاح و كذلك في ضوء تصوّرهم لدورهم في عمليّتي التعليم و التّعلّم.
    _ الاعتقاد السّائد لدى المعلّمين بأنّ العلاقة بين التّعليم و التّعلّم علاقة سببيّة، في اتّجاه واحد، يكون فيها التّعلّم نتيجة للتّعليم.
    _ تركيز المعلّمين على نتائج التلاميذ دون اهتمامهم بالتّمشّيات المؤسّسة لها، الشّيء الذي جعلهم يكتفون بإصلاح أداء التّلاميذ لتحقيق التّعلّم.
    _ تدريب التلاميذ على جملة من التّمارين، تهدف في معظمها إلى إكسابهم آليّات تتعلّق بالقدرة على الحفظ و التّذكّر و الفهم و التّطبيق؛ و هي اقتدارات تشير إلى المراقي الدّنيا في صنافة ( 1956Bloom, ) للمجال العرفاني.
    _ غياب الوعي لدى جل المعلّمين بخصوصيّات المتعلّم: كعلاقته بالمعرفة المدرسيّة (شبيل 2000)، و كيفيّة استقباله للمعلومة و معالجتها...و غياب الوعي لديهم بأهمّيّة مثل هذه المميّزات في عمليّات البناء المعرفي، و ذلك في مختلف المواد التّعليميّة.

    و من أجل تجويد عمليّتي التّعليم والتّعلّم، يمكن الاعتماد على فهم السّلوك الظّاهر على غرار ما ذهبت إليه عديد البراديقمات، والّتي على اختلاف إشكالياتها، تنتمي جميعها إلى المقاربة السّلوكيّة:
    - براديقم محكّات التّنبّؤ بفعاليّة المدرّس بالفصل، ويعتبر من التّوجّهات الأولى التّي تناولت دراسة عمليّة التّعليم وتقويمها(1896 Kratzو A.S. Barr) ؛ يشمل البحوث الّتي ركّزت على "متغيّرات التّنبّؤ" والّتي تتّخذها كمؤشّرات يستدلّ بها على كفاية المعلّم التّعليميّة، و من بين هذه المتغيّرات: الفئة الاجتماعيّة للمدرّس، إعداد المعلّم و تكوينه، الخصائص الذّاتيّة للمدرّس (Dunkin, 1974)؛ بحيث تتمّ مباشرة عمليّة التّعليم من خارج وضعيّة الفصل.
    و لقد تبيّن من خلال البحوث الّتي أجريت على المدرّسين الّذين تمّ تقييمهم في إطار هذه المقاربة، عدم وجود ارتباط دالّ بين معرفة ملامح المعلّم من جهة و التّنبّؤ بكفايته التّعليميّة من جهة ثانية؛ و هو ما أدّى إلى ظهور نموذج آخر علّه يتجاوز النّقائص الملاحظة في نموذج البحث عن خصائص المعلّم.
    -براديقم: نتائج العمليّة التّربويّة تدلّ على العمليّة ذاتها، و هو لا يختلف في جوهره عن النّموذج السّابق، لكونه يباشر عمليّة الدّرس من خارج الفصل و ذلك بالرّجوع إلى نتائج التّلاميذ دون ملاحظة عمليّة التّعليم؛ حيث يرى أصحاب هذا التّوجّه أنّ نواتج التّعليم تؤسّس على عمل المدرّس بالفصل فيكتفون بتقييم نتائج التّلاميذ للوقوف على قدرات المعلّم التّعليميّة، و كأنّ العلاقة بين فعل التّعليم و التّحصيل المدرسيّ حتميّة، أحاديّة البعد و في اتّجاه واحد، على معنى أنّ مهما كانت نتائج التّلاميذ، فهي تعكس بالضّرورة صناعة المعلّم.
    و تعرّض هذا التّوجّه إلى جملة من المآخذ يتمثّل أهمّها في كون نتائج التّحصيل المدرسي لا يستدلّ بها على صناعة المعلّم؛ إذ يوجد معلّمون أكفياء لا يتعلّم تلاميذهم إلاّ القليل لأنّ النّتائج تتحدّد بجملة من المتغيّرات تتعلّق بالتّعليم، و باستعدادات التّلميذ، و بالمكتسبات السّابقة، و بمحتويات التّدريس، و بنظام التّقييم، و بالظّروف المادّيّة للمدرسة و للفصل (1956 Smith ) ؛ كما لا يمكن أن تختزل نواتج التّعلّم في التّحصيل الدّراسيّ الذي لا يعكس إلاّ جانبا من جوانب التّعلّم المتعدّدة: تعلّم المعارف الإجرائيّة أو معارف الفعل، و تعلّم معارف الكينونة، و تعلّم معارف الصّيرورة...
    أوجه النّقد هذه، أدّت إلى ظهور نموذج قارب عمليّة التّعليم من داخل الفصل معتمدا في ذلك على تصرّفات المعلّم أثناء الدّرس.
    - براديقم تحليل التّمشّي التّعليميّ ظهر في الخمسينات ليركّز على مباشرة عمليّة التّعليم من داخل الفصل من خلال ملاحظة الفعل التّعليميّ، ممّا أدّى إلى استنباط عدد كبير من الشّبكات، توظّف في ملاحظة عمل المعلّم وفق محكّات يحدّدها الباحث بحسب مقاربته لعمليّة التّعليم؛ و قد تواصل الاهتمام بالسّلوك اللّفظيّ حتّى السّبعينات ليمتدّ فيما بعد إلى السّلوك غير اللّفظيّ للمدرّس. ومن الباحثين الّذين وضعوا شبكات (Hughes 1947)لملاحظة السّلوك اللّفظي للمدرّسّ، (1969Landsheere, Bayer, De)، ابن فاطمة(1991 ) لملاحظة السّلوك اللّفظيّ و غير اللّفظيّ للمعلّم؛ وتتضمّن هذه الشبكة ثلاثة و ثلاثين سلوكا موزّعة على ثماني وظائف: وظيفة التّنظيم، وظيفة الفرض، وظيفة الإنماء، وظيفة الشّخصنة، وظيفة التّقويم، وظيفة مراقبة الشّكل، وظيفة مراقبة المحتوى، و وظيفة وجدانيّة.
    و تعرّض هذا البراديقم إلى نقد مفاده أنّ تحليل عمليّة التّعليم لا يمكن أن يتمّ دون الاهتمام بعمل التّلميذ، و هو ما ساعد على ظهور نموذج جديد يباشر وضعيّة الفصل في نطاق ثنائيّة عمليّتي التّعليم و التّعلّم.
    - براديقم تمشّيات-نواتج، و يقوم على وجود علاقة سببيّة بين عمل المعلّم(التّمشّيات) وتحصيل التّلاميذ( النّواتج؛ حيث تحوّل الاهتمام، من بداية السّتّينات، من شخصيّة المعلّم إلى التّفاعل في غرفة الصّفّ و قد بدأ بأعمال Flanders و Mitzel منذ الخمسينات ليصبح أقوى النّماذج و أشهرها خلال السّبعينات.
    و قد أنجزت في إطار هذا البراديقم عدّة دراسات لتقييم العمليّة التّعليميّة، و يمكن تبويبها إلى ثلاثة نماذج فرعيّة لكلّ منها مميّزات خاصّة به.
    و يقوم النّموذج الفرعي ّالأوّل على علاقة خطّيّة سببيّة في اتّجاه واحد بين التّعليم والتّعلّم، مفادها أنّ هذا الأخير يعتبر نتيجة مباشرة للأوّل، على معنى أنّ التّعليم سبب للتّعلّم و متحكّم فيه.
    في ضوء هذه المسلّمة، توجّه البحث التّربويّ نحو الكشف عن الارتباط بين فعل التّعليم و نواتج التّعلّم، فكان هذا التّوجّه أكثر اعتمادا لرصد جودة التّعليم و فعاليّته؛ وتتنزّل أعمال (1971 Rosenshine) في هذا الإطار، حيث حدّد الخطوات الأساسيّة التّالية الّتي تساعد على إيجاد علاقة سببيّة بين التّمشّي التّعليميّ و نتائج التّلاميذ:
    - تصميم أداة لتسجيل تواتر سلوكات المعلّم الّتي حدّدت مسبقا
    - استعمال هذه الأداة لرصد تصرّفات المعلّم و المتعلّم بالصّفّ
    - استخدام اختبارات موضوعيّة( قبل- بعد) تتوفّر فيها شروط الوثقيّة لترتيب التّلاميذ بحسب النّتائج المتحصّل عليها.
    - تحديد سلوكات المعلّم الّتي يرتبط تواترها بنتائج التّلاميذ، و يتمّ ذلك باستخدام أدوات إحصائيّة و بخاصّة معاملات الارتباط.
    و في هذا السّياق، كشفت دراسة دينكن(Crahay 1986 ) عن المتغيّرات التّعليميّة التي تؤثّر في نواتج التّعلّم: الأبعاد الاجتماعيّة و الوجدانيّة في الوضعيّة التّربويّة، الاتّجاه السّلطويّ والاتّجاه غير السّلطويّ للمعلّم، المضامين التّعليميّة، و بخاصّة تلك الّتي يتمّ تناولها بالفصل.
    أمّا دراسة (Rosenshine 1971) ، فقد بيّنت ارتباطا بين العوامل التّالية و نواتج التّعلّم: وضوح العرض، ديناميّة المعلّم، تنوّع النّشاطات داخل الفصل، التّركيز على المهمّة المراد إنجازها، تشجيع التّلاميذ وكيفيّة تقبّل تدخّلاتهم، المحتوى الّذي تتم معالجته فعلا في أثناء الحصّة التّعليميّة، تنوّع الأسئلة المطروحة...

    و يتميّز النّموذج الفرعيّ الثّاني في براديقم تمشّيات –نواتج باهتمامه بمتغيّرات السّياق، التّي يعتبرها أصحاب هذا التّوجّه، بالإضافة إلى التّمشّي التّعليمي، من محدّدات نواتج التّعلّم ( 1974 Dunkin و Biddle)؛ و من بين عوامل السّياق: متغيّرات متعلّقة بخبرة التّلميذ و بخصائصه، و متغيّرات السّياق المدرسيّ و الاجتماعيّ، و متغيّرات السّياق الصّفيّ...
    و من هذا المنطلق، و كما ذهب إليه مارك برو(Bru1991) فإنّ متغيّرات التّعليم و التّعلّم لم تعد تدرس مستقلّة عن متغيّرات السّياق.

    و يتركّز النّموذج الفرعيّ الثّالث، في براديقم تمشّيات –نواتج، على صنف آخر من المتغيّرات تتعلق بالموقف التّعليميّ التّعلّميّ؛ و يعتبر أصحاب هذا التّوجّه التّعليم ممارسة علقيّة تجري في موقف تعليميّ، تتحكّم أبعاده في تمشّيات التّعليم والتّعلّم، بمعنى أنّها تضغط على تصرّفات المعلّم وتؤثّر فيها فتحدّ بذلك من مجالات حريّته في مستوى التّدخّل والتّنفيذ؛ فتصبح هذه العوامل المتعلّقة بالموقف التّعليميّ داخل حجرة الصّفّ محدّدة لنواتج التّعليم والتّعلّم؛ و هو ما يفرض اعتبارها في تحليل تمشّيات التّعليم و التّعلّم و تقييمها.
    و تتلخّص متغيّرات الموقف التّعليمي(Altet 1989) في ثلاثة عناصر أساسيّة:
    - الظّروف الّتي تتمّ فيها العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة و منها مادّة الدّرس ذاتها، عدد التّلاميذ بالفصل، جداول الأوقات...
    - محدّدات التّعلّم وتتمثّل في طبيعة الأعمال و النّشاطات المقرّرة، طبيعة الأشغال المطلوب إنجازها من قبل المتعلّمين( تلقّي المعلومة، الإجابة عن سؤال، تحليل وضعيّة...)
    - الظّروف التّنظيميّة و منها تنظيم المتعلّمين على أساس مجموعة واحدة أو مجموعات صغرى، نظام التّواصل بالفصل، توفّر المعينات التّعليميّة و قابليّة توظيفها...

    إلاّ أنّ هذه البراديقمات لم تكشف عن المظهر التّفاعلي للسّيرورة التّعليميّة التّعلّميّة و عن المتغيّرات المتدخّلة في تلك السّيرورة، و ذلك لاكتفائها بتحليل العلاقة الخطيّة بين التّعليم كتمشّ و التّعلم كناتج لهذا التّمشّي في مستوى السّلوك الظّاهر؛ و هو ما يبرّر ضرورة العناية بفكّ رموز العمليّات الخفيّة بتعرّف المتغيّرات الوسيطة المتمثّلة في جملة من النّشاطات العرفانيّة، و الماوراعرفانيّة، و الوجدانيّة- الاجتماعيّة المؤسّسة للسّلوك الظّاهر و نواتجه.

    بيّنت البحوث و الدّراسات العديدة (1988Porter و Brophy) في مجال علوم التّربية و بخاصّة الحديثة منها و التي تناولت إشكاليّة علاقة التّعليم بالتّعلّم في إطار براديقم علم النّفس العرفاني، عدم وجود توافق آلي بين تمشّيات التّعليم من جهة و نواتج التّعلّم من جهة ثانية، معنى ذلك أنّ هذه العلاقة ليست حتميّة، حتّى و إن وجدت، فهي ليست مباشرة بل متعدّية بواسطةَ؛ ذلك أنّ التّعلّم محكوم بآليّات أكثر تعقيدا تتموقع في مستوى المتعلّم و التي تكشف عن مكانة الفروق الفرديّة في عمليّة التّعلّم.

    و قد اهتمّت الدّراسات العرفانية في بادئ الأمر بمعالجة المعلومة من مستوى السّجلّ الحسّيّ إلى الذّاكرة طويلة المدى مرورا بذاكرة العمل؛ ثمّ تركّز الاهتمام فيما بعد حول إشكاليات التّعلّم بدراسة التغيّرات و الاختلافات في بناء المعارف، ذلك أن التّعلّم في إطار هذا البراديقم لم يعد يعرّف كتغيّر دائم نسبيّا للسّلوك الّذي يحصل نتيجة للخبرة كما هو الشّأن بالنّسبة إلى البراديقم السّلوكيّ، بل تغيّر مفهوم التعلّم ليصبح في المنظومة العرفانيّة بناء لهياكل عرفانيّة و تغييرا ذاتيّا ينجزه الفرد في مستوى معارفه ومواقفه و اتّجاهاته(1977،Norman& lindsay ) ؛ و في هذا الإطار تعتبر عمليّتا التّعليم و التّعلّم نشاطات لمعالجة المعلومة (1992، Tardif 1985 Gagné Winograd,Weiner1975,) نتيجة لذلك، تمّ التّركيز على تحليل الظّروف الملائمة لحدوث التّعليم و التّعلّم، أي الظّروف الّتي تفضي إلى تملّك المعارف من قبل المتعلّمين على نحو يمكّنهم من استعمالها في سياقات مختلفة. حيث وجّه الاهتمام إلى تعرّف الكيفيّات و العوامل الّتي تحكم نشاطات الأقطاب الفاعلة داخل الوضعيّة التّعليميّة-التّعلّميّة.
    أمّا بخصوص نشاط المتعلّم، فقد اعتنى الباحثون في هذا الإطار بالكشف عن الكيفيّة الّتي يدرك بواسطتها الكائن البشريّ المعارف و يتملّكها ، و عن الكيفيّة التي يتمّ وفقها انتقال أثر التّعلّم (1992Tardif, )، أي عن الاستراتيجيات التي يستخدمها المتعلّم في إعادة إنتاج المعارف و توظيفها بحسب متطلّبات السّياق. كما اهتمّ الباحثون بتعرّف الطّرائق و الأساليب الّتي يوجّه بمقتضاها تركيز المتعلّم و التي يتمّ التحكّم بواسطتها في درجات تفاعله مع مختلف عناصر المحيط.
    و من أبرز التّيّارات الّتي تناولت بالتّحليل التّمشّيات العرفانيّة الّتي تتوسّط المتغيّرات البيداغوجيّة و نتائج التّعلّم:
    - الأبحاث حول بنى الاستقبال(structures d’accueil)، (Piaget)في سويسرا وفرنيو(Vergnaud) في فرنسا حول تعلّم الرّياضيات،
    - الأبحاث حول الأساليب العرفانيّة (أساليب التّعلّم): أعمال Griggs في أمريكا، و Entwistle و Biggs في أنجلترا، Huteau في فرنسا...
    - و الأبحاث حول آليات معالجة المعلومة، Atkinson وShiffrin و Baddley،
    - و الأبحاث حول الماوراعرفانيّة لـ Flavellو Brown و Noêl و غيرهم... و الّتي تعنى بدراسة الأنشطة الذّهنيّة الّتي يمارسها الفرد على تمشّياته العرفانيّة. و هو مجال "معرفة المعرفة"
    (connaissance de la connaissance ou métacognition)

    و أمّا فيما يتعلّق بنشاط المعلّم، فقد حاول براديقم التّمشّيات العرفانيّة تقصّي سيرورات المعلّم الذّهنيّة (Clark & Peterson 1986) بحثا عن الشّروط المساعدة على تجويد عمليّة التّعليم و ذلك بالوقوف على الصّعوبات و الموانع التي تحول دون تحقّق الأهداف المرسومة؛ كما اهتمّ الباحثون في هذا النّموذج بتطوير طرائق و أساليب تكوين المعلّمين من أجل تجديد ممارساتهم البيداغوجيّة من خلال إحداث تغيّرات في مستوى العمليّات الذّهنيّة للمعلّمين و كذلك في مستوى نظريّاتهم الضّمنيّة و معتقداتهم(1989،Tochon)
    كما ساهم البراديقم العرفانيّ في تطوير منهجياّت البحث التّربويّ باعتماده مقاربات نوعيّة (approches qualitatives) تساعد على:
    - تجاوزالتّوجّه السّلوكي الّذي يكتفي بتحليل العلاقة الثّنائيّة، مثير-استجابة
    - التّركيز على فهم العمليّات العرفانيّة
    - فكّ رموز التّمشّيات المعقّدة و المتداخلة لعمليّتي التّعليم و التّعلّم.
    -استثمار مفهوم الماوراعرفانيّة في فهم نشاطات المتعلّم العرفانيّة(Meirieu 1989).

    و يتنزّل براديقم المتغيّرات الوسيطة في هذا الإطار؛ حيث كشف عن السّيرورات الضّمنيّة الإنسانيّة التي تتوسّط بين المتغيّرات التّعليميّة و نواتج التّعلّم، والتي يمكن بمقتضاها لأشخاص يخضعون لنفس الظّروف التّعليميّة الحصول على نتائج مختلفة تماما؛ و من ثمّ فإنّ السّلوك الملاحظ بالفصل يعتبر مرحلة نهائيّة للعمليّات العرفانيّة الخفيّة التي يمكن بواسطتها فهم ذلك السّلوك و التّحكّم فيه بالرّغم من صعوبة الفصل بين التّعليم و التّعلّم.

    و يعتبر عمل المعلّم في إطار هذا البراديقم من المدخلات و ليس من العمليات؛ حيث يتمثّل دوره في توفير الظّروف الملائمة لإنماء إمكانات المتعلّمين و استراتيجياتهم في التعلّم.

    و نعنى بالاستراتيجيّة في مجال التعليم و التّعلّم قدرة الفرد على تنظيم أفعاله و التنسيق بينها قصد تحقيق هدف معيّن؛ كما تشير الاستراتيجيّة إلى جملة القرارات المتّخذة و العمليات المنجزة في ضوء فرضيات سلوكيّة ضمن سياقات معيّنة داخل الوضعيّة التعليميّة- التّعلّميّة.
    و لئن تعدّدت صنافات استراتيجيات التّعلّم: صنافة (1985Oxford) تصنيفيّة ( 1989Rubin) ، تصنيفيّة(1990Malley etChamot’ O) …فإنّها تتّفق على تبويب إستراتيجيات التّعلم إلى ثلاث فئات بحسب خصوصيات مجالاتها:
    1 - الاستراتيجيات الماوراعرفانيّة و تتمثّل في وعي الفرد بقدراته و كيفيّات اشتغال وظائفه العرفانيّة و في تنظيم نشاطاته و هيكلتها قصد حصول تعلّمات (1993Bruner) ؛ كما يؤكّد (Tardif, 1992) على أنّ النّشاط الماوراعرفاني "يميّز بين التلاميذ الذي يعانون من صعوبات، و أولئك الّذين لا يعانون من صعوبات في التّعلم".
    2 - الاستراتيجيات العرفانيّة و تستدعي تفاعلا مباشرا بين كلّ من المتعلّم و مادّة
    الدّرس: ايجاد علاقات بين عناصر جديدة و معارف سابقة، تلخيص محتوى و مراجعته،
    تسجيل ملاحظات تتعلّق بالمادّة، الاستدلال...
    3- الاستراتيجيّات الوجدانيّة- الاجتماعية و تستدعي تفاعلا ضمنفرديّا (intraindividuel) كالتّحدّث مع الذّات قصد التّخفيض من القلق و التّوتّر النّفسيين عند انجاز مهمّة ما، كما تستدعي هذه الاستراتيجيات تفاعلا بينفرديّا(inter individuel) يتمثّل فيما ينجزه المتعلّم من نشطات بالتّعاون مع الآخرين داخل وضعيّة الفصل و خارجها.

    بناء على ما ذكر من دوافع أكّدت اهتمام المعلّمين بالسّلوك الظّاهر دون الاعتناء بالتّمشّيات الوسيطة التّي تحكم التّعلّم، و اعتبارا لتعقّد القضايا التّي يطرحها هذا الموضوع من حيث تنوّع هذه التّمشّيات و اختلافها، و استنادا إلى ما كشفت عنه نتائج الراّئز العالمي للرّياضيّات و العلوم (TIMSS-R ,1998) من صعوبات لدى التّلاميذ في هذه المادّة ( انظر الإصلاح التّربوي الجديد، جوان 2002، وزارة التّربية، الجمهوريّة التّونسيّة ص 49و50)، يهتمّ هذا البحث بالكشف عن نشاطات المتعلّم الماوراعرفانيّة في مادّة الرّياضيات و بتعرّف أثر هذه الأنشطة في تجويد عمليّتي التّعليم و التّعلم من خلال الإجابة عن التّساؤلات التّالية:
    ما هي النّشاطات الماوراعرفانيّة الّتي يوظّفها المتعلّم في مادّة الرّياضيات؟
    هل يمكن مساعدة المتعلّم على الكشف عن نشاطاته الماوراعرفانيّة التّي يستخدمها في مادّة الرّياضيّات؟
    هل أنّ الكشف عن نشاطات المتعلّم الماوراعرفانيّة المستخدمة في مادّة الرّياضيّات، يمكن أن يساعد على تطوير هذه النّشاطات؟
    و إن كان الأمر كذلك، فكيف يوفّق المعلّم في مساعدة المتعلّم على إنماء نشاطاته الماوراعرفانيّة في مادّة الرّياضيّات؟
    هل توجد فوارق دالّة بين النشاطات الماوراعرفانيّة لدى التّلامذة المتفوّقين في مادّة الرّياضيات و النّشاطات الماوراعرفانيّة لدى الّذين يعانون من صعوبات في نفس المادّة؟
    هل يتمتّع التّلاميذ الّذين تدرّبوا على الأنشطة الماوراعرفانيّة في مادّة الرّياضيات بدرجة عالية في تجويد تعلّمهم مقارنة بالتّلاميذ الّذين لم يتدرّبوا على هذه الانشطة؟
    هل يوجد ارتباط تلازمي بين تطوّر الأنشطة الماوراعرفانيّة لدى التّلاميذ الّذين تدرّبوا على هذه الأنشطة في مادّة الرّياضيّات، و تجويد تعلّمهم في هذه المادّة؟
    هل توجد فوارق في مستوى جودة التّعليم بين المعلّمين الذين تدرّب تلاميذهم على الأنشطة الماوراعرفانيّة في مادّة الرّياضيات و الّذين لم يتدرّب تلاميذهم على هذه الأنشطة في هذه المادّة؟

    أهداف البحث:
    تهدف هذه الدّراسة الى تحقيق الأهداف التّالية:

    محاولة فهم سلوكات التّلاميذ في مادّة الرّياضيّات، و تعرّف تمشّياتهم الذّهنيّة، من خلال الكشف عن نشاطاتهم الماوراعرفانيّة في هذه المادّة.
    العمل على إقدار المتعلّمين على الوعي بنشاطات تعلّمهم الماوراعرفانيّة و التّصريح بها في مادّة الرّياضيّات.
    مساعدة المتعلّمين على تطوير نشاطاتهم الماوراعرفانيّة لتنمية كفاياتهم التّعلّميّة في هذه المادّة.
    جعل المعلّمين ينتبهون إلى أهمّية الاعتناء بنشاطات المتعلّم الماوراعرفانيّة في تطوير كفاياتهم التّعليميّة في مادّة الرّياضيّات، و كذلك في تجويد عمليّات التّعلّم لدى تلاميذهم في هذه المادّة.
    اختبار مدى أثر الاعتناء بنشاطات المتعلّم الماوراعرفانيّة في تجويد فعلي التّعليم والتّعلّم في مادّة الرّياضيّات.
    إشراك التّلامذة المعلّمين في البحث العلمي، و هو إجراء من شأنه أن يدعم تكوينهم النّظري و التّطبيقي من خلال إكسابهم اقتدارات فيما يتعلّق بملاحظة الوضعيّة التّعليميّة التّعلّميّة و تحليل تمشّيات التّعليم و التّعلّم.


    لقد وجّهنا اعتناءنا في هذه الدّراسة إلى الأنشطة الماوراعرفانيّة للمتعلّم في علاقتها بتمشّيات التّعليم و التّعلّم في مادّة الرّياضيات، الشّيء الذي فرض علينا:
    الاكتفاء بعيّنة تتكوّن من اثني عشر معلّما و مائة و أربعة و أربعين تلميذا نظرا لطبيعة البحث الّتي تتطلّب اعتماد المقاربة الإكلينيكيّة ( التّركيز على المقابلات الفرديّة لدراسة الحالة)،
    الاهتمام بنشاطات المتعلّم الماوراعرفانيّة دون التّعمّق في تحليل كفاياته الوجدانيّة-الاجتماعيّة رغم علاقتها بالأنشطة الماوراعرفانيّة،
    الاقتصار على تعرّف أثر نشاطات المتعلّم الماوراعرفانيّة في عمليّتي التّعليم و التّعلّم من خلال مادّة الرّياضيات دون سواها، عسانا نسهم في تقديم بعض الحلول، من شأنها أن تساعد على تحسين كفايات المتعلّمين في تعلّم الرّياضيات

    يــــــــتبـــــــــع













      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 3:01 pm